الخميس، 10 مارس 2016

تأملات آية أو حديث :الشيخ / عبد الرحمن عبد العزيز -- تحيات جدو عبدو


تأملات آية أو حديث :الشيخ / عبد الرحمن عبد العزيز

=============================


الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ 


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - 
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ 

خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ " . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَأَبُو 

عِيسَى 


التأملات : 


دين خليله= على عادة صاحبه وطريقته وسيرته 


من يخالل : أى يصادق 


والصديق أما يأخذك إلى الجنة وإما يأخذك إلى النار – فإن 

كان من المؤمنين حريصا على فعل الخير والبعد عن 

المعاصي فهو أحق بالأخوة 


والأخوة الصادقة هي التى عني بها الحديث فالمؤمن مرآة 

أخيه المؤمن كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم 


فكيف يأخذ الخليل خليله إلى الجنة وكيف يأخذه إلى النار ؟


اعلم وفقك الله ورعاك 


أن الصديق من يصدقك في القول والفعل ويحرص عليك كل 

الحرص ويرعاك خير رعاية فإن قال لا يقول إلا صدقا فهو 

يتصف بصفات الصادقين التي يحبها الله تعالي وكما في 

الحديث القدسي إن المرء ليصدق ويتحرى الصدق حتى 

يكتب عند الله صديقا ليس قوله فقط بل بيده الوجه الآخر 

بمعنى أنه لو رآك في تصرفاتك لا تتحرى الصدق دلك إلى 

الخير دوما وأخذ بيدك وهذا يؤكد صدق أخوته وأنها لله رب 

العالمين 


ولقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الصدق حيث كانوا أوفياء 

لما عاهدوا الله عليه ورسوله سواء فيما اتفقوا عليه مع 

النبي في بيعة العقبة الأولى أو الثانية فعندما هاجر إليهم 

النبي منعوه فعلا مما يمنعوا منه أنفسهم وأهليهم وأبناءهم 

– ليس هذا فحسب – بل تجلت صور الحب في الله أروع 

تجل حيث تبلورت معاني الأخوة في تصرفاتهم فجعل 

الانصاري يبذل كل ما في وسعه للمهاجر فكان أحدهم 

يعرض شطر ماله لأخيه وشطر مسكنه بل أعلى من ذلك 

عرض عليه أن يطلق إحدى زوجاته ليتزوجها المهاجر الذي 

ليس معه زوج 



قال البصري كلاما أقرب ما يكون " تعلمت أن الصحابة بلغوا 

درجة الأخوة مبلغا لا يصل إليه إلا الصادقين في حبهم لله 

فكان أحدهم يضع يده في جيب أخيه يأخذ ما يشاء فيملأ 

قلب أخيه فرحة ما بعدها فرحة "


الحب في الله أوثق عرى الإيمان :



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " يَا ابْنَ مَسْعُودٍ ، تَدْرِي أَيُّ 

عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ " ، فَقُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، حَتَّى قَالَ 

لِي ثَلاثًا ، قَالَ : " فَإِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ ، الْحَبُّ فِي اللَّهِ ، 

وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ " . ثُمَّ قَالَ : " يَا ابْنَ مَسْعُودٍ ! " قُلْتُ : لَبَّيْكَ 

يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : " تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ 

وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا ، قَالَ : " أَفْضَلَهُمْ عَمَلا إِذَا 

فَقِهُوا فِي دِينِهِمْ " . ثُمَّ قَالَ لِي : " يَا ابْنَ مَسْعُودٍ ! " قُلْتُ : 

لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : " أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ " ، 

حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا ، قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " إِنَّ 

أَعْلَمَهُمْ أَبْصَرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا 

فِي الْعَمَلِ ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ " .

اتدري عبد الله أروع من هذا التوجيه النبوي 


اتدري عبد الله كلاما كالضياء يمحو كحالة الليل 


أوثق عرى الإيمان أى أعلى درجة منه 


الحب في الله والبغض في الله أى يحب كل ما يحبه الله 

ويرضى عنه وأن لا يكون حبه لمصلحة تزول فيزول الحب 

بعدها بل قالها النبي في حديث عند البخاري ومسلم 

وغيرهما " لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه 

مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود 

للكفر كما يكره أن يقذف في النار 


وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله – دون ما غرض يحبه من أجله 

ولما تنقضي المصلحة ينقضي الحب لأنه في هذه الحالة لا 

يكون حبا بل أقرب ما يكون من النفاق ولا يجتمع النفاق مع 

الحب في الله أبدا 


عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله 

عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن 

أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، رواه البخاري 

ومسلم.


قال علماؤنا إذا تأملنا الحديث ، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال 

الإيماني في النفس ، يتطلب منها سموا في التعامل ، 

ورفعة في الأخلاق مع الغير ، انطلاقا من رغبتها في أن 

تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى 

الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه ، 

وليس ذلك فحسب ، بل إنه يشارك إخوانه في أفراحهم 

وأتراحهم ، ويعود المريض منهم ، ويواسي المحتاج ، ويكفل 

اليتيم ، ويعيل الأرملة ، ولا يألو جهدا في تقديم صنائع 

المعروف للآخرين ، ببشاشةِ وجه ، وسعة قلب ، وسلامة 

صدر .



وكما يحب للناس السعادة في دنياهم ، فإنه يحب لهم أن 

يكونوا من السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو يسعى دائما إلى 

هداية البشرية ، وإرشادهم إلى طريق الهدى ، واضعا نصب 

عينيه قول الله تعالى : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله 

وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }( فصلت : 33 ) .



ويتسع معنى الحديث ، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين ، 
فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان ، وأن ينقذهم 

الله من ظلمات الشرك والعصيان ، ويدل على هذا المعنى ما 
جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث ، قال صلى الله عليه 

وسلم : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ) .


ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في 

حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر 

جهدا في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا 

والآخرة ، روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم 

قال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، 

وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ على اثنين ، ولا 

تولين مال يتيم ) .



أما سلفنا الصالح رحمهم الله ، فحملوا على عواتقهم هذه 

الوصية النبويّة ، وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه ، فها 

هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " إني لأمر على الآية 

من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم " ، 

ولما أراد محمد بن واسع رحمه الله أن يبيع حمارا له ، قال له 

رجل : " أترضاه لي ؟ ، فردّ عليه : لو لم أرضه لك ، لم أبعه " 

، وهذه الأمثلة وغيرها مؤشر على السمو الإيماني الذي 


وصلوا إليه ، والذي بدوره أثمر لنا هذه المواقف المشرفة. 


ومن مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض المسلم لأخيه ما 

يبغضه لنفسه ، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات 

الذميمة ، كالحسد والحقد ، والبغض للآخرين ، والأنانية و 

الجشع ، وغيرها من الصفات الذميمة ، التي يكره أن يعامله 

الناس بها .


وختاما : فإن من ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ 

في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، 

وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة ، كالجسد الواحد 

القوي ، الذي لا تقهره الحوادث ، ولا تغلبه النوائب ، فتتحقق 

للأمة سعادتها ، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض 

الواقع ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .



وإلى لقاء أخر إن شاء الله 



المصادر :



تفسير الطبري



مقال للنابلسي



الترمذي 



صحيح البخاري


اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي