فكرة : خطبة الجمعة الرابعة من شهر الله الحرام رجب
1437هـ
==================================
تأملات في آية الإسراء :
بِسْمِ اللَّهِ الْحَمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
السورة مكية إلا ثلاث آيات على قول الإمام القرطبي
التأملات :
سبحان : ومعناه التنزيه والبراءة لله - عز وجل - من كل نقص
. فهو ذكر عظيم لله - تعالى - لا يصلح لغيره
وقد روى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال
للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما معنى سبحان الله ؟
من لفظه ، إذ لم يجر من لفظه فعل ، وذلك مثل قعد
القرفصاء ، واشتمل الصماء ; فالتقدير عنده : أنزه الله تنزيها ;
فوقع ( سبحان الله ) مكان قولك تنزيها .
أسرى بعبده ليلا : الإسراء معاناه السير ليلا : سرى وأسرى
; كسقى وأسقى - وقيل : أسرى سار من أول الليل ،
وسرى سار من آخره ; والأول أعرف .
قوله تعالى : بعبده قال العلماء : لو كان للنبي - صلى الله
عليه وسلم - اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة
العلية . وفي معناه أنشدوا :
يا قوم قلبي عند زهراء يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
وقد تقدم . قال القشيري : لما رفعه الله - تعالى - إلى
حضرته السنية ، وأرقاه فوق الكواكب العلوية ، ألزمه اسم
العبودية تواضعا للأمة .
هل كان إسراء بروحه أو جسده :
اختلف في ذلك السلف والخلف ، فذهبت طائفة إلى أنه
إسراء بالروح ، ولم يفارق شخصه مضجعه ، وأنها كانت رؤيا
رأى فيها الحقائق ، ورؤيا الأنبياء حق . ذهب إلى
إسحاق . وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت
المقدس ، وإلى السماء بالروح ; واحتجوا بقوله - تعالى -
المسجد الأقصى فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء .
قالوا : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد
الأقصى لذكره ، فإنه كان يكون أبلغ في المدح . وذهب
معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي
اليقظة ، وأنه ركب البراق بمكة ، ووصل إلى بيت المقدس
وصلى فيه ثم أسري بجسده .
وعلى هذا تدل الأخبار والآية .
وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة ، ولا يعدل
عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة ، ولو
البصر وما طغى يدل على ذلك . ولو كان مناما لما كانت فيه
آية ولا معجزة ، ولما قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس
فيكذبوك ، ولا فضل أبو بكر بالتصديق ، ولما
أمكن قريشا التشنيع والتكذيب ، وقد كذبه قريش فيما أخبر
به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا ، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر ،
وقد قال له المشركون : إن كنت صادقا فخبرنا عن عيرنا أين
لقيتها ؟ قال : بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلان فقيل
له : ما رأيت يا فلان ، قال : ما رأيت شيئا ! غير أن الإبل قد
نفرت .
قالوا : فأخبرنا متى تأتينا العير ؟ قال : تأتيكم يوم كذا وكذا .
قالوا : أية ساعة ؟ قال : ( ما أدري ، طلوع الشمس من
هاهنا أسرع أم طلوع العير من هاهنا ) . فقال رجل : ذلك
اليوم ؟ هذه الشمس قد طلعت . وقال رجل : هذه عيركم قد
طلعت ، واستخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك . روى
الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن
مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها
فكربت كربا ما كربت مثله قط - قال - فرفعه الله لي أنظر
وقد اعترض قول عائشة ومعاوية (إنما أسري بنفس رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ) بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ،
ولا حدثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ،
ولم يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على ( كتاب الشفاء )
للقاضي عياض يجد من ذلك الشفاء .
وقد احتج لعائشة بقوله - تعالى - : وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك إلا فتنة للناس فسماها رؤيا . وهذا يرده قوله -
تعالى - : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ولا يقال في النوم
أسرى . وأيضا فقد يقال لرؤية العين : رؤيا ، على ما يأتي
بيانه في هذه السورة . وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة
واضحة على أن الإسراء كان بالبدن ، وإذا ورد الخبر بشيء
هو مجوز في العقل في قدرة الله - تعالى - فلا طريق إلى
الإنكار ، لا سيما في زمن خرق العوائد ، وقد كان للنبي -
صلى الله عليه وسلم - معارج ; فلا يبعد أن يكون البعض
بالرؤيا ، وعليه يحمل قوله - عليه السلام - في الصحيح : بينا
أنا عند البيت بين النائم واليقظان . . . الحديث . ويحتمل أن
يرد من الإسراء إلى نوم . والله أعلم . أهـ - القرطبي
قلت : وخلاف الخلف والسلف كان بأدب فلم نسمع أن
أحدهم كفر الآخر ولم نسمع إلا قمة الرقي وأدب الخلاف
ويبقي الاقتداء والترجيح وهما أصل أي بحث علمي
===================================
أرق تحياتي جدو عبدو - عبد الرحمن عبد العزيز
دراسات عليا - كلية التربية - أزهر
0 التعليقات :
إرسال تعليق